العلاقات البينية وتصنيف العلوم

الإشكالية:

تحظى العلاقات البينية بين التخصصات المختلفة بأهمية ملحوظة في المعرفة الإنسانية الحديثة نظرا للتطور المتسارع في ميادين المعرفة ومجالات البحث العلمي ومناهجه، والتحولات الكبرى في كافة ميادين المعرفة؛ ولهذا أصبحت العلوم الاجتماعية معنية بهذه التحولات على صعيد الرؤى والمناهج والنظريات. وتعد العلاقات البينية بين العلوم الاجتماعية والعلوم الأخرى في الوقت المعاصر من الاتجاهات الحديثة في مجال البحث العلمي الذي بدأ يجدد في خصائصه ويراجع مناهجه التقليدية التي صارت غير قادرة على تقديم تفسيرات وحلول لبعض المشكلات الاجتماعية المعقدة، ولهذا اتجهت العلوم الاجتماعية في الآونة الأخيرة إلى التفاعل والتعاون مع العلوم الأخرى لحل الكثير من المشكلات الاجتماعية والانسانية المعاصرة.

وجدير بالذكر أن العلوم اجتماعية بإعتبارها نتاجاً للفكر الإنساني، قد أصبحت تهتم بالعلاقات البينية مع العلوم الأخرى بإعتبار أن وجود الجانب الاجتماعي في شتى مجالات العلوم الأخرى صار أمراً مسلما ومعترفا به، بل وضرورياً في بعض الأحيان والأمثلة على ذلك عديدة: فعلم الطب على سبيل المثال لا يكتفي بالعوامل الفسيولوجية في تشخيص وعلاج الأمراض، بل يلجأ أيضاً إلى أخذ العوامل الاجتماعية والنفسية في الاعتبار، كما أن الكثير من العلوم الاجتماعية والانسانية تنظر إلى الجوانب الفسيولوجية على أنها كثيراً ما تؤثر في مستوى الأداء الاجتماعي أو الصحة النفسية أو العلاقات الاجتماعية للأفراد ومن ثم فهناك التقاء متواصل بين المجالين دون أن يقلل ذلك من تفرد كل منهما كمجال متميز من مجالات المعرفة.
كذلك فحاجة العلوم الاجتماعية والانسانية للأرقام والنسب والمعادلات الرياضية باتت لا غنى عنها لفهم الاتجاهات والاستجابات وتحويلها إلى مؤشرات يمكن من خلالها رسم الخطط الدقيقة لعلاج المشكلات، وفي نفس الوقت لن يكون هناك جدوى لمعلومات صماء من الأرقام ما لم تساهم في التفسيرات الكيفية الانسانية والنظرية وربطها بالواقع المجتمعي من خلال علم الاحصاء الاجتماعي، وكذلك الحال في علم الميكانيكا الحيوية والذي تشترك في إعداده كل من علوم التربية الرياضية والهندسية الميكانيكية والعلاج الطبيعي، وظاهرة التصحر مثلاً يمكن أن يدرسها علم الاقتصاد من منطلق تأثيرها على مستوى الإنتاج والدخل القومي، وعلم الاجتماع من حيث تأثرها على العلاقات الاجتماعية والثقافة السائدة، وعلم الجغرافيا كظاهرة جغرافية، وعلم النفس من حيث تأثيرها على سلوك الأفراد وبالتالي فهي ظاهرة تهتم بها العلوم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والجغرافية والبيئية في نفس الوقت.
وإذا كان الاختلاف بين العلوم الاجتماعية والعلوم الأخرى ظاهريا، فإن الترابط والتشابك بينها أصبح أعمق مما يبدو للوهلة الأولى. ولا مناص من أن السعي المستمر للعلوم الاجتماعية في سبيل تطوير مناهج علمية جديدة وابتكار تقنيات حديثة في الاختبار والقياس والتحقيق، بغرض الابتعاد عن الأنماط التقليدية للمعرفة الكلاسيكية؛ لهو خير مؤشر على أن الظاهرة الانسانية تتعدى خصوصية الموضوع لترتبط وتتشابك مع الحقول المعرفية الأخرى.
و يسعى المؤتمر الدولي الثالث لكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس إلى إبراز أهمية العلاقات البينية بين العلوم الاجتماعية والعلوم الأخرى، وتوضيح جوانب الاتفاق والاختلاف واستخلاص المبادئ التي تحكم العلاقة بينها في ضوء التوافق والتكامل بين الجوانب العلمية والتعليمية والمهنية والتطبيقية بغية تطوير البرامج والخطط والاستراتيجيات لتحقيق التنمية المستدامة. ويستقطب المؤتمر متحدثون رئيسيون لهم تأثير واضح في دراسة العلاقة بين العلوم الاجتماعية والعلوم الأخرى ، كما يجمع أيضا باحثين وأكاديميين من تخصصات علمية متنوعة لبحث ومناقشة الجوانب ذات الطبيعة التكاملية بين العلوم الاجتماعية والعلوم الأخرى.
ومن هذا المنطلق يتطرق المؤتمر إلى مناقشة قضايا حديثة ذات طبيعة متداخلة بين العلوم الاجتماعية والعلوم الأخرى في ضوء تنوع المشاركات التي يحتضنها لتشمل مشاركات محلية واقليمية وعالمية في صورة دراسات نظرية، ومناقشات علمية، ودراسات حالات، ودراسات تطبيقية، بالإضافة إلى عرض تجارب معاصرة للعلاقات البينية بين العلوم الاجتماعية والعلوم الأخرى وتقييمها و تقديم تصورات مستقبلية لتطوير البرامج التعليمية والبحثية ذات العلاقات البينية.